قال
شيخ الإسلام : "وليس بين المسلمين وأهل الكتاب خلاف في أن
فاران هي
مكة، فإن ادعوا أنها غير
مكة، فليس ينكر ذلك من تحريفهم وإفكهم".
فلا خلاف عند أي عاقل ومتأمل منصف أن
جبال فاران هي جبال
مكة، فإن قال أحد منهم غير ذلك فهذا من تحريفهم؛ لأنهم كذبوا على الله، ونسبوا إلى المسيح أنه الله أو أنه ابن الله، فليس غريباً عليهم أن يحرفوا معنى
فاران بشيء آخر، و
شيخ الإسلام رحمه الله سيلزمهم بأنه لا يمكن أن تكون
فاران إلا
مكة ؛ لأنه لم يظهر أحد -لا في بني إسرائيل ولا في بني إسماعيل- مصدقاً لما بين يديه من الكتاب، إلا محمد صلى الله عليه وسلم.
ثم قال
شيخ الإسلام : "قلنا: أليس في التوراة أن إبراهيم أسكن
هاجر وإسماعيل
فاران؟! وقلنا: دلونا على الموضع الذي استعلن الله منه واسمه
فاران ".
القضية الأولى أن نقول: إن الله ذكر في التوراة أنه سبحانه وتعالى قال لإبراهيم: اذهب وأسكن
هاجر وابنها إسماعيل في برية
فاران، والقصة موجودة بكاملها، مع ذكر نبع الماء من تحت أقدام إسماعيل، بما يشبه إلى حد كبير ما في
صحيح البخاري من حديث
ابن عباس رضي الله عنهما، و
شيخ الإسلام رحمه الله سيؤكد ذلك، ولكن هذا كلام
ابن قتيبة، والنص الذي ذكره
شيخ الإسلام و
ابن قتيبة موجود إلى اليوم في التوراة.
والقضية الثانية: من أين استعلن الرب إذا لم يكن من
مكة، ولم يظهر كتاب أو رسول من غيرها؟!
قال
شيخ الإسلام : "وقلنا: دلونا على الموضع الذي استعلن منه واسمه
فاران، والنبي الذي أنزل عليه كتاباً بعد المسيح؛ أوليس (استعلن) و (علن) وهما بمعنى واحد؟ وهو ما ظهر وانكشف. فهل تعلمون ديناً ظهر ظهور الإسلام وفشا في مشارق الأرض ومغاربها فُشُوَّه؟!
وقال
أبو هاشم بن ظفر:
ساعير جبل بـ
الشام، منه ظهرت نبوة المسيح. قلت: وبجانب
بيت لحم القرية التي ولد فيها المسيح، قرية تسمى إلى اليوم
ساعير، ولها جبال تسمى
ساعير .
وفي التوراة: أن نسل
العيص كانوا سكاناً بـ
ساعير، وأمر الله موسى ألا يؤذيهم، وعلى هذا فيكون ذكر الجبال الثلاثة حقاً، جبل
حراء الذي ليس حول
مكة جبل أعلى منه، ومنه كان نزول أول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم، وحوله من الجبال جبال كثيرة، حتى قد قيل: إن بـ
مكة اثني عشر ألف جبل، وذلك المكان يسمى
فاران إلى هذا اليوم، وفيه كان ابتداء نزول القرآن، والبرية التي بين
مكة و
طور سينا تسمى برية
فاران، ولا يمكن أحداً أن يدعي أنه -بعد المسيح- نزل كتاب في شيء من تلك الأرض ولا بعث نبي".
يقول
شيخ الإسلام :
فاران إلى الآن تطلق على جبال
مكة وبالذات جبل
حراء، فهذه الجبال التي يقال: إنها اثنا عشر ألف جبل، و (75%) من مباني
مكة مبنية على الجبال؛ فهي من أكثر مدن العالم صعوبة في التضاريس، فالجبال فيها كثيرة جداً، فتكون
فاران إما اسم المنطقة كلها، أو اسم لجبل
حراء .
وأمر آخر: وهو أن البرية -وهي الصحراء- الممتدة ما بين
الطور إلى
مكة، هي برية
فاران ؛ فسواءٌ قلنا: إن
فاران هو الجبل، أو قلنا: إن
فاران هي البرية، فلا يستطيع أحد أن يدعي أن نبياً أرسل بها أو أن كتاباً أنزل فيها، إلا أن يكون ذلك النبي هو محمد صلى الله عليه وسلم، وأن يكون ذلك الكتاب هو القرآن الكريم.
قال
شيخ الإسلام : "فعلم أنه ليس المراد باستعلانه من
جبال فاران إلا إرسال محمد صلى الله عليه وسلم، وهو سبحانه ذكر هذا في التوراة على الترتيب الزماني، فذكر إنزال التوراة، ثم الإنجيل، ثم القرآن، وهذه الكتب نور الله وهداه".
يقصد أن الترتيب في البشارة بين المواضع الثلاثة موافق لترتيب نزول الوحي على موسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام، وذلك أن الله أول ما أوحى إلى موسى عليه السلام، ثم إلى عيسى عليه السلام، ثم إلى محمد صلى الله عليه وسلم.